الجمعة 3 ذو الحجة 1441 هـ

الموافق 24 يوليو 2020 م

 

الحمد لله تباركَ ربُّنا وتعالى، لا إله إلا هو قدَّر المقاديرَ على الخلائِق إدباراً وإقبالاً، وانتقالاً وارتِحالاً، نحمده سبحانه على ما أنعم، ونشكرُه على ما والَى، كرماً منه وجُوداً وإفضالاً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً خالصةً ذُخراً لقائِلِها عاجلاً وآجلاً، وحالاً ومآلاً، ونشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، فتحَ به أعيُناً عُمياً، وقلوباً غُلفًاً، وآذانًاً صُمًاً، وهدَى به ضُلاَّلاً، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وأزواجه أمهات المؤمنين وأصحابِه الغُرِّ الميامين الصالحين أعمالاً، والصادقين أقوالاً، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً مزيداً يتوالَى.

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل، اتقوا الله رحمكم الله، فإن تقوى الله عروة ما لها انفصام، من استمسك بها حمته بإذن الله من محذور العاقبة، ومن اعتصم بها وقَتْه من كل نائبة، فعليكم بتقوى الله فالزموها وجِدوا في الأعمال الصالحة واغتنموها، فالزمان يطوي مسافة الأعمار، وكل ابن أنثى راحل عن هذه الدار. (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

معاشر المسلمين:  كلما جاء شهر ذي الحجة وهلّت مواقيت الحج، تألقت صفحة من تأريخ الإسلام، ووقفة من وقفات الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أهم معالم رحلة الحج إلى جانب أداء المناسك العبادية، تلك المعاني الجامعة، والمبادئ البليغة، التي خاطب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم  المسلمين في حجة الوداع… لقد أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلك المبادئ التي لم تكن شعارات يرفعها أو يتاجر بها، بل كانت هي مبادئه منذ فجر الدعوة يوم كان وحيداً مضطهداً، وهي مبادئه يوم كان قليلاً مستضعفًاً لم تتغير في القلة والكثرة، والحرب والسلم، وإعراض الدنيا وإقبالها، وهي مبادئه التي يرسخها في نفوس أصحابه، لينقلوها إلى العالم فيسعد بها، ولقوتها وصدقها لم تذبل مع الأيام، ولم تمت مع تعاقب الأجيال، وإنما هي راسخة تتجدد في الأقوال والأعمال. مبادئ سكبت مع عبارتها دموع الوداع، ومن أجل ذلك سميت خطبة الوداع، وفيها حذر رسول الله من الشرك، ذلك الداء الوبيل الذي يفتك بالإنسانية ويحطم روابطها ويقطع صلتها بمصدر الخير، ويذهب بها في أودية سحيقة تتوزعها الأهواء وتأسرها الشهوة، ومن ثم فالمعنى الأصيل الذي تدور عليه أحكام الحج بل تقوم عليه أحكام الدين، وحدانية الله تبارك وتعالى.

عباد الله: وفي خطبة الوداع يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت)  إن الإنسان لا يهنأ له عيش ولا يهدأ له روع، ولا تطمئن له نفس إلا إذا كان آمنًاً على روحه وبدنه لا يخشى الاعتداء عليهما..

وفي ظل شريعة الإسلام يتحقق الأمن، وتشيع الطمأنينة، ينظر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة ويقول: (مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّه تعالىِ حُرْمَةً مِنْكِ) بينما أناس مسلمون أو يزعمون الإسلام يقتلون الإنسان المسلم، ولسنا بحاجة إلى التذكير بتلك الدماء المسلمة، التي سالت وتسيل يومياً كالأنهار في أجزاء من المعمورة، مجازر بشرية، ومذابح جماعية، أدمت قلوبنا وأقضت مضاجعنا، ومهما كانت المسوغات فهي خطيئة كبرى ومصيبة عظمى ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ). ويقول: (إذَا الْتَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتلُ والمَقْتُولُ فِي النَّارِ، فَقيل يَا رسولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ، قَالَ إنَّهُ كانَ حَرِيصاً على قَتْلِ صاحِبهِ). إن إراقة دم المسلم أكبر عند الله من كل شيء في الدنيا، (لَزوالُ الدُّنيا أهونُ على اللهِ من قتلِ امرئ مسلم) فكيف سيكون حسابهم عند الله تعالى. وكيف يتجرَّأ بعض الناس ويَسفِكون الدماء، ويَهدِمون بُنيان النفس، وقد حرَّم الله عز وجل  ذلك وحرَّمه رسولُ الله  صلى الله عليه وسلم؟  وكان النبي صلى الله عليه وسلم  إذا أرسل جيشاً أوصاهم ألا يَقتلوا شيخًاً كبيراً، ولا امرأة ولا طفلاً صغيراً، فحتى القتال في سبيل الله  عز وجل، فيه حقْن الدماء، فالذي لا يُحارِب لا يُقتَل، هذا مع الأعداء المحاربين، فما بالُنا بحُرمة دماء المسلمين؟..

إن الحضارة الحديثة أعلنت مبادئ لحقوق الإنسان، لكنها قاصرة ضعيفة لا تملك العقيدة التي ترسخها والإيمان الذي يحييها والأحكام التي تحرسها، ولذا فهي تنتهك في أرقى دول العالم تقدماً وحضارة أين حقوق الإنسان الذي انتهك قدسه الشريف واغتصبت أرضه وصودرت أمواله ونزف دمه سنين عديدة أين حقوق الإنسان وأخلاقه تدمر وقيمه  تحطم، وإنسانيته تنتهك، في حرب إعلامية فضائية ترعى الرذيلة وتنبذ الفضيلة.

عباد الله: في خطبة الوداع، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم) مبادئ خالدة لحقوق الإنسان لا يبلغها منهج وضعي ولا قانون بشري، فحُرمة الدِّماء والأموال والأعراض حُرمة شديدة وعَظيمة، ولو تدبَّر الناس هذا الكلام، لَمَا تعدَّى أحد على أحد، ولَمَا سُفكَت الدماء، ولَمَا سرقت الأموال، ولما انتهكت الأعراض، ولَعاش الناس عيشةً هنيئةً فيها سعادتهم الدُّنيوية قبل الأُخرويَّة، فهذا التحريم يجعل الإنسانَ يعمل ألف حِساب قبْل أن يتعدَّى على غَيره ليَسفك دمه أو ليأخُذ ماله دون وجْه حقٍّ، ولأمِن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، ولما عاشوا في رعْب وخَوف.

أيها المؤمنون: ومن مبادئ حقوق الإنسان في الإسلام أنه لا يجوز أن يؤذى إنسان في حضرة أخيه ولا أن يهان في غيبته سواء كان الإيذاء للجسم أو للنفس، بالقول أو الفعل، ومن ثم حرم الإسلام ضرب الآخرين بغير حق ونهى عن التنابز والهمز واللمز والسخرية والشتم.. صح في الحديث أن رجلاً حُدَّ مراراً في شرب الخمر فأتي به يوماً فأُمر به فضرب فقال رجل من القوم: (أخزاه الله، اللهم العنه؛ ما أكثر ما يؤتى به) فقال صلى الله عليه وسلم  (لا تقولوا هكذا، ولا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ علَى أخِيكُمْ، ولكن قولوا: اللهم ارحمه، اللهم تب عليه). ولم يكتف الإسلام عباد الله بحماية الإنسان وتكريمه حال حياته بل كفل له الاحترام والتكريم بعد مماته، ومن هنا أمر بغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ونهى عن كسر عظمه أو الاعتداء على جثته أو إتلافها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)… وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: (ألا كُلُّ شَيْءٍ من أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ) وبهذا تسقط جميع الفوارق وجميع القيم، فلا أحمر ولا أسود ولا أبيض، ولا نسب ولا مال ولا جاه، يرتفع ميزان واحد بقيمة واحدة، يتفاضل على أساسه الناس (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ). لقد كانت العصبيات قبل البعثة عميقة الجذور قوية البنيان فاستطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجتث التمييز العنصري بكل صوره وأشكاله من أرض كانت تحيي ذكره، وتهتف بحمده، وتفاخر على أساسه فقال: (كلكم لآدم، وآدم من تراب إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ، ليس لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى)… حضارات حديثة تزعم التقدم والرقي والمساواة بينما شعور التمييز العنصري يتنفس بقوة في مختلف مجالاتها السياسية والاقتصادية والإعلامية، ومن المخزي أن هذه الحضارات توسم بأنها حضارات القوميات والألوان والمساواة.. وحين كادت أن تتسلل إلى الصف المسلم في غزوة بني المصطلق بذرة غريبة في مجتمع طاهر قال الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يرعى المسيرة: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم) لم يرضَ الرسول  أن تظهر بين أصحابه في المجتمع المسلم، أن تظهر بينهم بوادي التمييز العنصري ولو كان في الألفاظ، فهذا أبو ذر الغفاري يعير رجلاً بأمه ويناديه: يا ابن السوداء، فيغضب رسول الله  ويقول: (أعيرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية) وهذا لا يسلب أبداً فضله من إسلامه ومن جهاده.

وهكذا عباد الله ماتت العصبيات الجاهلية على أساس النسب والدم والعرق، وقال رسول الله  (لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ) وقال: (دعوها فإنها منتنة)..

عباد الله: وفي خطبة الوداع يقول صلى الله عليه وسلم:(وَأَوَّلُ رِباً أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بن عبد الْمُطَّلِبِ فإنه مَوْضُوعٌ كُلُّهُ). لم يحرم الله تعالى الربا إلا لعظيم ضرره وكثرة مفاسده، فهو يفسد ضمير الفرد، يفسد حياة الإنسانية، يشيع الطمع والشره والأنانية، يميت روح الجماعة، يسبب العداوة، يزرع الأحقاد في النفوس، ولهذا أعلن الله تعالى الحرب على أصحابه ومروجيه، حرب في الدنيا: غلاء في الأسعار، أزمات مالية، أمراض نفسية، انعدمت معاني التعاون والإيثار، أما في الآخرة فعذاب أليم يقول الله تعالى: (ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرّبَوٰاْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِى يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مِنَ ٱلْمَسّ) ويعتبر النظام الربوي مسئولاً عن كثير من الأزمات المالية والاقتصادية والسياسية على مستوى الأفراد والجماعات والدول. أيها الأخوة والأخوات في الله: وفي خطبة الوداع يقول صلى الله عليه وسلم:  (اتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمانة الله) فقد جعل النبيّ عليه الصلاة والسلام للنساء حظّاً وافراً من الاهتمام والعناية التي تجلّت في كلماته في خُطبة الوداع؛ فقد أوصى بهنّ الرجال خيراً، ودعا إلى الإحسان إليهنّ في المعاملة، وإعطائهنّ حقوقهنّ كاملةً دون مَنٍّ، أو أذىً، والإنفاق عليهنّ، وكسوتهنّ، ومعاشرتهنّ بالمعروف حيث قال (واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْراً)، وبذلك فإنّ للمرأة مكانتها الرفيعة؛ إكراماً، وعنايةً، وتقديراً لها على صنيعها. فقد كانت المرأة تهز المهد بيمينها وتهز العالم بشمالها عندما تنشئ قادة وعلماء ومفكرين وأبطالاً ميامين تفخر بهم الأمة.

وفي خطبة الوداع يقول صلى الله عليه وسلم (وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ (أبداً) كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وسنتي فالذي خلق الإنسان أعلم بما يصلحه ويحقق سعادته، ألا وهو الاعتصام بالكتاب والسنة؛ ففيهما العصمة من الخطأ، والأمن من الضلال، والحيدة عنهما فشل وتفرق وتخلف، ألم تسمعوا قول الله تعالى: (وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)

أيها المؤمنون: خطبة الوداع نداء يوجه إلى الأمة الإسلامية، بمناسبة الحج لتحقق الأمة المراجعة المطلوبة، والاستقامة على الطريق المستقيم، والاستجابة لنداء سيد المرسلين، فهل تستجيب، وهل تفعل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.. اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: ما أحوجنا أن نعمل بمبادئ وأحكام خطبة حجة الوداع، التي ألقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته الوداعية ونعيش بالقلب والجوارح تلك التعاليم الدينية، والقيم الإنسانية، والمبادئ الأخلاقية، في اسمي معانيها لتستقيم حياتنا.. وما أحوجنا أن نغتنم مواسم الطاعات والبركات، ولعل من أعظمها فضلاً وأعلاها شأناً؛ (يوم عرفة) وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، والوقوف بعرفة للحجاج، الذي نستقبله بعد أيام قليلة، إنه يومٌ عظيم أقسم الله به، والعظيم لا يُقسم إلاَّ بعظيمٍ، وهو اليوم المشهود في قوله تعالى: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) والشاهد هو يوم الجمعة، واليوم المشهود يومُ عرفة. وهو يوم عيد، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ..)

وفي يوم عرفة أكمل الله هذا التشريع، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام ديناً، فقد روى عمار بن أبي عمار الهاشمي رحمه الله أنه قال:(قَرَأَ عبد الله ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً)، وَعِنْدَهُ رجل من أهل الكتاب، فَقَالَ: لَوْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ عَلَيْنَا لاتَّخَذْنَا يَوْمَهَا عِيداً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فِي يَوْمِ جُمعَةٍ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ) فيوم عرفة يوم عظيم على المسلمين، ويوم مشهود. وهو يوم المباهاة بأهل الموقف، كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًاً غُبْراً) وقال صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْداً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟  فهنيئاً للواقفين هناك.

عباد الله: ويوم عرفة هو يوم مغفرة الذنوب، وإجابة الدعاء، والعتق من النار، فيعتق الله من النار من وقف بعرفة، ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين.

فما أعظم أن نغتنم هذا اليوم بالصيام والذكر والدعاء، وغير ذلك من صالح الأعمال، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)

وصيام يوم عرفة، إنما يشرع لغير الحاج، أما الحاج فلا يشرع له ذلك اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد شرب صلى الله عليه وسلم الماء بعرفة والناس ينظرون إليه، وما ذلك إلا ليتقوى الحاج على الذِّكر والدُّعاء عشية عرفة.. فليحرص المسلم على صيامه، وليأمر كل منا أهله وأولاده بصيامه، ولنجعله يوماً رمضانيًّاً من أجل أن ننال مغفرة الله تعالى. ويقول صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ الدُّعَاءِ، دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ)، فطوبَى لعبدٍ فَقِه الدعاء في يوم الدعاء، ولعله أن يحظَى منَ الله تعالى بالمغفرة، والعتق منَ النار…

واحذر يا عبد الله منَ الذنوب والمعاصي التي تمنعُ المغفرة في هذا اليوم؛ إذ كيف تطمع في العتق من النار، وأنت مصرٌّ على الكبائر والذنوب؟ وكيف ترجو المغفرة، وأنت تبارِز الله بالمعاصي في هذا اليوم العظيم؟ فعلى المسلم أن يتفرغ للذكر والدعاء والتوبة والاستغفار والصلاة على النبي المختار، في هذا اليوم العظيم، وليدع لنفسه، ولِوالديْه، ولأهله ولأولاده، ولبلاده، ولولاة أمره، وللمسلمين جميعاً.

نسأل اللهَ الكريمَ المعينَ أنْ يمنَّ علينَا وعليكم بالإعانةِ على كلِّ عملٍ صالحٍ يُرضيهِ عنَّا، وأن يغفرَ لنا ولكم ولوالدِينَا ووالدِيكم وجميعِ المسلمينَ الأحياءِ منهم والميتين.

اللَّهُمَ حَبَّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ..اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.

اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.

اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان  وولي عهده سلمان بن حمد،اللهم أصلح بطانتهم، ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير.

اللهم رب العرش العظيم، نسألك من لطفك الكريم أن تشفي وتعافي، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وأخيه سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، اللهم أشفهما شفاء لا يغادر سقماً، ومتعهما بالصحة والعافية والسعادة والعمر المديد،  ووفقهما لما تحب وترضى.

اللهم وفِّق المسئولين في فريق البحرين الوطني ورجال جيشنا وأمننا، وصحتنا وإعلامنا وجميع المتطوعين، اللهم اجزهم خير الجزاء وأوفاه، على ما قدموا للبلاد والعباد، يا ذا الجلال والإكرام… اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وكن لهم ناصراً ومؤيداً، واحقن دماءهم، وألف بين قلوبهم، اللهم أنقذ المسجد الأقصى من عدوان المعتدين، ومن احتلال الغاصبين، اللهم اجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين.

اللهم اكشف عنا الوباء، اللهم أنت الشافي، والكافي، والمعافي، اشف مرضانا، ومرضى المسلمين والعالمين، من (كورونا) وغيرها من الأوبئة والأسقام، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، واشف مرضانا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ، وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ، الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

     خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين